يبدو أن الحديث عن تحول في الاستراتيجية الأمريكية حيال الحرب في اليمن بدأت تأخذ مصداقيتها من الأنباء التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" واسعة الانتشار.
وعلى الرغم من أن ما نشرته الصحيفة لا يزال يتحدث عن النوايا، لكن يبدو أن هذه النوايا بدأت تترسخ كخيار استراتيجي بعد الطلب الذي تقدم به وزير الدفاع الأمريكي للبيت الأبيض برفع القيود المفروضة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، على الدعم العسكري لدول الخليج التي تخوض حرباً ضد مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن.
هناك مؤشرات عديدة على أن موقف الإدارة الأمريكية، من إعادة الاعتبار لعلاقة الشراكة بين واشنطن والرياض بدأ يأخذ شكلاً جدياً، عبرت عنه بوضوح الحفاوة التي قوبل بها ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إبان زيارته الأخيرة لواشنطن.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان قد عبر عن موقفه المناهض للاتفاق النووي مع إيران منذ وقت مبكر، وكان جزءاً من القضايا المطروحة في حملته الانتخابية.
يعمل الرئيس الأمريكي جاهداً على تقويض معظم السياسات التي اعتمدتها إدارة سلفه أوباما، وأكثر هذه السياسات وضوحاً المتعلقة بمستوى الشراكة مع الرياض، والموقف من الحرب في اليمن، وهو الموقف الذي اختتم الرئيس أوباما عهده الرئاسي به، حيث أمر بسحب الخبراء الذين يعملون في الرياض كمستشارين بمركز قيادة العمليات العسكرية في اليمن.
وكان هذا الموقف قد رسم أدنى نقطة في منحدر العلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن، على الرغم من رسوخ هذه العلاقات واستمرارها وبقاء الحجم ذاته من المصالح المتبادلة حتى اليوم.
من الواضح أن التحالف العربي ماضٍ في خطط تحرير الساحل الغربي، والمعلومات التي كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست" حول طلب إماراتي من واشنطن بدعم عملية استعادة مدينة الحديدة، تؤشر إلى أن التحول في الموقف الأمريكي تجاه اليمن سيكون جذرياً، على مستوى التدخل الميداني، والأهم على مستوى العقيدة الأمنية.
فلطالما أبقت واشنطن اليمن تحت المجهر بكونه أحد الساحات الخطيرة لنشاط القاعدة، وغضت الطرف عن سلوك إيران وعن النشاط الإرهابي للحوثيين، باعتبارهم المنظمة الإرهابية الطائفية المرتبطة بطهران، إلى حد بات فيه الحوثيون شركاء مع الأمريكيين في هدف واحد وهو مواجهة تنظيم القاعدة، الذي لم يكن جزءاً من الأهداف العسكرية للحوثيين.
هذه الشراكة تقاطعت مع سياسة قصيرة النظر انتهجها بعض دول التحالف العربي، وساهمت في فتح المجال أمام الحوثيين لتحقيق أهدافهم السياسية بواسطة القوة العسكرية، رغم وجود عملية سياسية ناجحة بشهادة الجميع.
فقد كان الحوثيون يركزون على هدف أساسي وهو إسقاط الدولة وإعادة إحياء الإمامة المقبورة، واستغلوا فرصة تمكينهم من موارد الدولة وسلاحها في ربط مشروعهم السياسي والطائفي بإيران، وإعادة إحياء نهج الإمامة، وفي إرهاب الناس وقتلهم والتنكيل بهم وتفجير منازلهم والقيام بعمليات واسعة النطاق للعقاب الجماعي وهو الإرهاب بعينه الذي تجاهلته أمريكا.
في الحقيقة قد لا نرى الجيش الأمريكي قريباً يخوض مواجهات مسلحة مع الحوثيين والإيرانيين في اليمن، هذا لن يحدث، وليس هناك ثمة حاجة لذلك، لكن سيحدث أن تصبح اليمن واحدة من الساحات التي ستجد إيران نفسها عاجزة عن اللعب فيها أو استثمارها في المستقبل.
وأهم ما يحتاجه التحالف العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية هو الاستمرار في تقديم الدعم اللوجستي، ورفع القيود السياسية والعسكرية التي فرضتها واشنطن على التحالف العربي وحالت بينه وبين الحسم العسكري السريع في اليمن