مواقف المجلس العسكري أمام الجنرال مبارك والدكتور مرسي

2013/07/30 الساعة 06:31 صباحاً

في ثورة 25 يناير 2011م استمر ضغط الشعب المصري بأجمعه وبمختلف تياراته على مبارك 18 يوم حتى أعلن تَنَحِّيِه عن رئاسة الجمهورية ، ومع أن الشارع كان موحداً ولم يكن  في المقابل شارع مؤيد لمبارك ، بل وقف الأمن في وجه الشعب وقتل منهم ما يقارب ثمان مائة شهيد وآلاف الجرحى ، إلاّ أن المجلس العسكري ظل خلال تلك الفترة محايداً وتعامل مع مبارك كرئيس للجمهورية حتى آخر لحظة ولم يقم بعزله ، وبعد تنَحِّيِهِ ذهب للإقامة في منتجع شرم الشيخ ، بل إن المجلس العسكري لم يقم بواجبه في حماية مؤسسات الدولة وتركها للبلطجية والمخربين ، وكانت حسنته الوحيدة أنه لم يطلق الرصاص على المتظاهرين ، ثم استلم السلطة من مبارك ، ولم يختلف اثنان في العالم على أن ما حصل في 25 يناير 2011م كان ثورة شعبية لإسقاط النظام !!!

في حين أن ثورة 30 يونيو 2013م كان الشارع فيها منقسم بين مؤيد ومعارض للرئيس محمد مرسي ومع ذلك لم ينتظر المجلس العسكري للضغط الشعبي المعارض لمرسي (الذي استمر ست ساعات فقط) أن يؤتي أكله ويدفع بالرئيس إلى التنحي ( لأنه يعلم يقيناً أن تلك الجماهير لن تصمد طويلاً لأن النائحة المستأجرة ليست كالنائحة الثكلى ) ، ومع أن تلك الثورة لم تصمد ساعات ولم تطلق عليها حتى الغازات بل رقص فيها أفراد الأمن والجيش مع الجماهير على الأنغام  ، ولكن المجلس العسكري تدخل مباشرة لتنحية الرئيس محمد مرسي وتعطيل الدستور وتعيين رئيس جديد ، مبرراً فعله ذلك بالاستجابة لإرادة الشعب ، وكأن الملايين التي تقف في الطرف الآخر جاءت من إسرائيل !!!!

 

-         فهل هناك مقارنة أو أي وجه شبه بين تصرف المجلس العسكري في الحالتين ؟

-          وهل هناك أي وجه مقارنة بين ثورة 25يناير 2011م  وثورة 30 يونيو 2013م  ؟

-         وهل هناك أي وجه شبه بين الانتخابات المزورة التي مكنت مبارك من حكم مصر 30 عاماً والانتخابات التي جاءت بمحمد مرسي رئيساً لمصر منذ سنة فقط ولمدة 4 سنوات والتي شهد العالم أجمع بنزاهتها ؟   

كل هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما حصل في 3 يوليو 2013 م هو انقلاب عسكري كامل الأركان ، وهذا هو ما ذهب إليه 90% من السياسيين و المحللين وأصحاب الرأي في العالم أجمع وحتى ال10% الأخرى هم من ضغطت عليهم المصالح للقول بغير ذلك .

 

وأمام الموقف الراهن فقد بقي خياران لا ثالث لهما لكل من الطرفين ، جنرالات الجيش ومن معهم من المؤيدين للانقلاب من جهة وتيار الأغلبية( بحسب خمسة استحقاقات انتخابية سابقة) من الجهة الأخرى .

أمّا خيارات الجنرالات ومن معهم فهي :

1-    أن يعودوا عن الانقلاب الذي أسقطوا به الشرعية التي اختارها الشعب من خلال صناديق الانتخاب التي اعتمدتها شعوب العالم أجمع كطريقة تختار من خلالها حكامها وتسقطهم من خلالها أيضاً ، وبذلك يحافظ الجنرالات على السمعة الطيبة التي اكتسبوها من خلال امتناعهم عن قمع ثوار 25 يناير الذين أسقطوا نظام مبارك في ثورة شعبية سلمية أذهلت العالم وأصبحت نموذجاً يحتذى به ، وبهذا يسلمون سلطة الشعب للشعب فيختار من يحكمه بنفسه ويبتعدون عن مشاكل السياسة ونزاعاتها ليتفرغوا لبناء الجيش والدفاع عن الوطن وحماية حدوده .

2-    أن يستمر الجنرالات في التعامي عن الملايين الهادرة التي تفترش شوارع مدن مصر المختلفة ، ويراهنوا على مجموعة من السياسيين الفاشلين الذين خاضوا خمسة استحقاقات انتخابية نزيهة وعادلة وفشلوا فيها جميعاً و على قوة السلاح الذي بين أيديهم وأمن الدولة وعمليات الاعتقالات والبطش التي انطلقوا في تطبيقها فور إعلان الانقلاب و الدعم السياسي والمادي الغربي والخليجي الذي يدعم هذا الانقلاب لأنه يصب في مصلحتهم لا لخير مصر وشعبها ، وإذا اختار الجنرالات ومن معهم هذا الخيار واعتمدوا على دعم الجهات المذكورة ، فإنهم يختارون تكرار نموذج جنرالات دمشق بقيادة بشار الأسد والزج بمصر لا سمح الله في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر .

أمّا الخيارات التي بقيت أمام أغلبية الشعب المصري التواق إلى الحرية فهي :

1-    أن تصمم الأغلبية على استعادة المكاسب التي حققتها ثورة 25 يناير من الحرية والديمقراطية وسيادة القانون والشرعية الدستورية التي صوت الناس لها في أكثر من انتخاب واستفتاء ، والاستمرار في تقديم التضحيات الغالية من النفوس والأموال من أجل استعادت هذه المكتسبات التي خطَّها الشعب بيده وعمَّدها بدماء شبابه ورجاله ، مهما كلف ذلك من الثمن .

2-   أن تستسلم غالبية الشعب للأقلية وتقتنع بالأمر الواقع فتعود لعهد الدولة البوليسية والدكتاتورية الاستبدادية وتكميم الأفواه والتي قدم الانقلابيون نموذجاً لها منذ الساعة الأولى للانقلاب من خلال الاعتقالات والمداهمات الليلية للبيوت وغلق القنوات الفضائية ، وكأنهم يعرِّفون الشعب المصري بهوية النظام القادم حتى يتخذ الشعب قراره عن علم ومعرفة بما سيئول إليه أمره إذا ما اختار السكوت عن هذا الانقلاب والرضا بالأمر الواقع .

 

وأمام هذا الوضع فإنني أبعث برسالة إلى المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي فأقول لهم :

 

إنكم تستعملون الإجراء الخطأ ، في الوقت الخطأ ، وأمام الجهة الخطأ ، وبالوسيلة الخطأ .

-         فأمّا الإجراء الخطأ فهو الانقلاب العسكري على سلطة منتخبة شهد العالم أجمع بنزاهة الانتخابات التي أوصلتها للحكم وانحياز المجلس العسكري لفريق سياسي كان خصماً للرئيس المنتخب .

-         وأمّا الوقت الخطأ فإنكم تستعملون أسلوب الستينات والسبعينات والثمانينات ، في القرن الواحد والعشرين وبعد الربيع العربي الذي استأصلت فيه الشعوب العربية عقدة الخوف من بطش الحكام من نفوسها ، وعلمت أنها إذا خرجت بالملايين لتنتزع حقاً من حقوقها فلن يقف أمامها أعتا الجيوش وأحدث الأسلحة ، والنماذج أمامكم في دول الربيع العربي المختلفة .

-         وأمّا الجهة الخطأ فهي الشعب المصري الذي أعلَمُ يقيناً أنه أقوى عزيمة من بقية شعوب الربيع العربي ، فما بالكم بأن يكون في مقدمة هذا الشعب العظيم التيارات الإسلامية المعروفة بالعزيمة المعتمدة على العقيدة الإسلامية والذين يحملون أكفانهم على أكتافهم لأنهم يعلمون يقيناً أنهم ميتون ميتون ، فيفضِّلون الموت دفاعاً عن الحرية والشرعية الدستورية في ميادين وشوارع مصر ، خيراً لهم من أن يموتوا على حبال مشانقكم أو في غياهب سجونكم التي يعرفونها أكثر من معرفتهم لبيوتهم .

-         وأمّا الوسيلة الخطأ فهي اعتمادكم على التعتيم الإعلامي على مظاهرات الأغلبية المصرية وعلى الجرائم التي ترتكبونها بحقهم وكأنكم تعيشون في الخمسينات حين كان الناس لا يصل إلى مسامعهم غير إذاعة صوت العرب أو القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية ، بينما الناس اليوم يعيشون في ظل الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات التي جعلت  العالم يعيش وكأنه في بيت واحد وأصبحت أدق المعلومات في متناول الناس بأبسط الطرق وأقل التكاليف .

لذلك عودوا إلى رشدكم واتقوا الله في الشعب المصري العظيم ، ولا تجربوا المجرب ، واعتبروا بغيركم

*كاتب وناشط سياسي

18/7/2013م