يحلو للبعضِ التهكمَ على حفلِ افتتاحِ كأسِ العالمِ 2022 بقطرَ، وقد ذهبَ أحدُهُم للقولِ بأنَّ افتتاحَ خليجي 20 في اليمنِ، كان أكثرَ منه إبهارا ونجاحا. وتلك عينةٌ بشريةٌ اعتادت تقييمَ النجاحِ بالبهرجةِ البصريةِ، والمؤثراتِ الصوتيةِ، والتراكمِ الحركي مِنْ رقصٍ وتموجٍ وتشكيلاتٍ... وغيرها، وبما قد يكونُ إبهارا خارجيا شكليا، دونَ هدفٍ يُحَقِقُهُ، أو رسالةٍ يرسخُها. أما حفلُ قطرَ فقد حَمَلَ مضمونا ساميا، وهدفا عميقا، ورسالةً راقيةً، فهمها الحكماءُ، ووعاها العقلاءُ.
ولو أنَّ الافتتاحَ قد اقتصرَ على مقطعِ الشابِ العربيِ ذي الجسدِ المبتورِ من الأسفلِ، مع الممثلِ الغربي الشهيرِ متكاملِ الجسمِ والبنيانِ، وما جَسَّدَهُ المشهدُ من دلالاتٍ عميقةٍساميةٍ، لكان كافيا لنجاحِ الافتتاحِ. مشهدٌ يجسدُ نظرةَ الغربِ وتابعيهم من بني العُربِ، لقطرَ خاصةً وللأمةِ عامةً، كدولٍ معاقةٍ غير سويةٍ للتعايشِ معهم، وكأمةٍ غير جديرةٍ بالمساواةِ بما هم عليه من العلو والرُقي، ولكنَّ دلالاتِ مشهدِ جلوسِ الممثلِ الغربي كاملِ الجسمِ أرضا، أمَامَ العربي منقوصِ الجسدِ، والمعتمدِ على ساعديه في الانطلاقِ نحو التطورِ والنجاحِ، وعلى نصفِهِ العلوي لإثباتِ الذاتِ وقوةِ الانتماءِ، هادفةٌ وساميةٌ، تحملُ للكونِ رسالةً شامخةً، مفادُها "على تُربةِ بيتِ الخيمةِ العربيةِ، جاءَ العالمُ غَربُهُ وشَرقُهُ، عَرَبُهُ وعَجَّمُهُ، ليقرَ بهذا المشهدِ على عظمةِ هذا البلدِ، وروعةِ ما حققه من خيرٍ وتقدمٍ، وما سطره للعالَمِ من تسامحٍ وسلمٍ، وليحققَ بمعيته توافقا نحو المساواةِ والعدلِ، واتفاقا على التسامح والتراحم، وتعاونا في البناءِ والعطاء، وغرسِ الأملِ وحصدِ السلامِ. هذه باختصارٍ شخصيةُ قطرَ ومقامُها، قطرُ التي قالوا عنها ما قالوه، شماتةً وسخريةً، تهكما واستضعافا، استصغارا واستنقاصا... هاهي اليومَ تسطعُ قِبالَهُم نجاحا ورُقِيا وتَقدُما، وتفيضُ عليهم حُبا وسلاما وكَرَما، وتمدُ نحوهم يدا تغمرُ البشريةَ عَونا وإحسانا، وتفتحُ لهم قلبا يسعُ الكونَ حبا وإيمانا.