لا جديد فيما يخص الملف السوري والموقف من إيران في زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى السعودية.. كما لا جديد فيما يخص القضية الفلسطينية، بل أكد كيري أن ليس لدى واشنطن أية خطة جديدة وسوف تستمر في نهجها السابق!.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع سعود الفيصل، تحدث كيري عن العلاقات مع السعودية وهون من أي خلاف بين البلدين اللذين قال -كيري- إنهما متفقان على الحل السلمي كمخرج وحيد في سوريا، لكن الفيصل أكد بوضوح موقف السعودية المختلف وهو أن "المفاوضات لا يجب أن تستمر بلا نهاية". وقد ذكرت رويترز في تقرير لها أن الطرفين اعتبرا خلافاتهما جانبية لكن الواضح من تصريحاتها أنها أعمق من ذلك.
السؤال هو: ما هي التطمينات التي حملها كيري إلى السعودية بعد توتر واضح في العلاقة بين واشنطن والرياض؟.
الإجابة من وجهة نظرنا في التصريح الذي ركزت عليه (الحرة) ووسائل أخرى بقول كيري إن "الرئيس باراك أوباما أكد أنه سيستخدم كل القوة المطلوبة لتحقيق مصلحة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وإنها ستواجه الاعتداء الخارجي على شركائنا، وتضمن التدفق الحر للطاقة من المنطقة الى العالم".
المدقق في التطورات والسياسات على أرض الواقع يفهم أن مصلحة أمريكا -في الشرق الأوسط، والمقصودة في حديث كيري هي في إيجاد «شرق أوسط جديد» مهما كلفت التضحيات وليس هدفها الحفاظ على أي حليف أو تأمين المنطقة.. بل إن المطلوب «شرق أوسط جديد» تتقاسمه أمريكا مع إسرائيل وإيران.
***
الشواهد والتطورات خلال العقد الماضي تشير إلى إن أمريكا تقوم بإعادة رسم خارطة المنطقة وإغراقها بالفوضى وأنها لأجل تحقيق ذلك لا تستثني صديقاً أو حليفاً غير إسرائيل وإيران اللتين يلحظ تقدمها وتوسعهما مقابل استهداف الدول العربية.. لقد تم تدمير باكستان وتحويلها دولة فاشلة وجرى احتلال العراق وتسليمه لإيران وجرى تقسيم السودان، ويجري الآن إسقاط اليمن وليبيا وكل الأحداث في الدول العربية خلال عقد مضى، لا تجعل من المستبعد أن تلحق بها البقية كالسعودية ومصر، واللتين ذكرنا في تناولة سابقة، أنهما آخر دولتين هامتين تمتلكان سيادة كاملة على أراضيهما.
أمريكا تريد «شرق أوسط جديد» لصالح إيران وإسرائيل.. وهي بذلك مصرة، والتصريح الذي أطلقه كيري بأن أوباما مستعد لاستخدام كل القوة المطلوبة لتحقيق مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، يمكن اعتباره تهديداً للسعودية وليس لإيران التي بدأ تحالفها مع واشنطن بالانتقال إلى العلن. ولقد عرف العالم أن أمريكا سلمت العراق لإيران وحالياً تصب تدخلاتها في اليمن في صالح الدور الإيراني، والسعودية تعلم ذلك.
إزاء ذلك كله، فإن المطلوب من السعودية هو توسيع علاقاتها مع الدول والشعوب العربية والإسلامية والتحرك لإنقاذ اليمن وغيرها من الدول، فلا تستطيع أية دولة عربية منفردة مقاومة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تستخدم فيه واشنطن ومن تحالف معها كافة الإمكانات الإعلامية والعسكرية والأمنية. ولا تستطيع السعودية تجنب كوارث انزلاق اليمن إلى التقسيم والفوضى وهي تعلم أن ما يعتمل هناك هو عجين الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف السعودية تالياً.
وإذا لم تكن السعودية على ثقة بالقيادة الانتقالية في اليمن فعليها أن لا تيأس وأن لا تعاقب الشعب، ذلك أن الأمريكيين في اليمن والموالين لهم ممن يحكمون الآن آخر ما يهمهم هو مصلحة المواطن.. بل إن ما يقومون به هو تدمير البلاد وإغراق الشعب بالحروب والفوضى، ونحن نذكر هذا بالتزامن مع انتهاء فترة المهلة التي حددتها السعودية للمقيمين المخالفين بتصحيح أوضاعهم، ومجيء أخبار أو شائعات مرعبة عن اعتقالات واهانات لبعض المغتربين تخلف نظرة عدائية لدى المواطنين وتصب هذه الأعمال أو الشائعات في مصلحة الطرف العابث في اليمن والذي يلقي باللوم على السعودية. وهذه الفتنة بين الشعوب العربية هي ما يساعد على حرق كل بلد على حدة.
بل إن على السعودية أن تسعى لتحسين علاقاتها مع جميع الشعوب العربية وتبدأ بفتح خطوط تواصل مع بعض تيارات الإخوان المتأثرة بما جرى في مصر. ذلك أن الضخ الإعلامي الرهيب بمئات القنوات والوسائل والتي تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية بحوالى 80% مما يبث فيها.. بإمكانه أن يجعل الجماهير العربية على اختلافاتها فيما بينها، ممتلئة بمشاعر العداء ضد السعودية أو أي بلد آخر. والمغتربون هم سفراء شعوبهم في المملكة، وكلما كانت الأخبار القادمة منها مبشرة كانت مشاعرهم إيجابية. والسعودية مدعوة لأن تراجع أية سياسات مثل هذه، لأنها قد تكون ناتجة عن اختراق يحاول تكثير أسباب العداء ضدها. مثلما تتعرض الحكومة اليمنية لنصائح اقتصادية وسياسية تؤدي لنتائج لا تخدم الدولة بل تزيد الاحتقان والعجز الاقتصادي والأمني.
***
بالإمكان أن يقاوم العرب بالتعاون غير المسبوق فيما بينهم ومراقبة الاختراقات أما من تفرج على الآخر وانشغل بنفسه أو لم تكن تحركاته بالقدر الذي تتطلبه اللحظة، فاحتمالات أن يتمكن من تفادي النتائج تبدو منعدمة.
وزير الدفاع اليمني زار السعودية امس حاملاً رسالة من الرئيس عبدربه منصور هادي وقيل إنه طلب تدخلها لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، والمطلوب من المملكة العربية السعودية أن تنصح هادي وجماعته أن يتوقفوا عن المهزلة الجارية بتقسيم البلاد وعن سماحهم للحوثيين بالتوسع وتسليمهم القيادة لواشنطن وبما لذلك من خطر على أمنها القومي. ومؤتمر الحوار ليس أكثر من فخ لليمن والسعودية ومصادرة للمبادرة الخليجية.
يجري تمزيق اليمن من قبل المجاميع الأجنبية باسم الفدرالية وتحت شعارات براقة وغطاء "المبادرة الخليجية" مع أن ما يدور لا علاقة له بالمبادرة الخليجية بل بالمحلق الغربي التفصيلي بها والسعودية أول المستهدفين، وعليها ألا تنخدع بأية تطمينات أمريكية إيرانية. وإذا كانت القيادة اليمنية الحالية غامضة في تصرفاتها فذلك ليس عذراً لتقف السعودية مكتوفة الأيدي تجاه مشروع ترسيخ الفوضى وتمزيق البلاد.. فلا وجود لدولة فدرالية، والمرجح أن كل ما يمكن أن ينتج عن هذا الطريق هو الانتقال من مرحلة الدولة الضعيفة إلى مرحلة اللادولة واحتلال الأطراف المعادية للدول العربية أهم المواقع الاستراتيجية واستخدامها كمراكز عملياتية ضد السعودية ودول المنطقة، بل وابتزاز جميع دول العالم التي تمر بضائعها عبر باب المندب وغير ذلك من الأوراق.