اليمن والسعودية وزيارة كيري إلى الرياض.. تطمين أم تهديد؟

2013/11/07 الساعة 03:34 مساءً

لا جديد فيما يخص الملف السوري والموقف من إيران في زيارة وزير الخارجية ‏الأمريكي جون كيري إلى السعودية.. كما لا جديد فيما يخص القضية الفلسطينية، بل ‏أكد كيري أن ليس لدى واشنطن أية خطة جديدة وسوف تستمر في نهجها السابق!.‏

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع سعود الفيصل، تحدث كيري عن العلاقات مع ‏السعودية وهون من أي خلاف بين البلدين اللذين قال -كيري- إنهما متفقان على الحل ‏السلمي كمخرج وحيد في سوريا، لكن الفيصل أكد بوضوح موقف السعودية المختلف ‏وهو أن "المفاوضات لا يجب أن تستمر بلا نهاية". وقد ذكرت رويترز في تقرير لها ‏أن الطرفين اعتبرا خلافاتهما جانبية لكن الواضح من تصريحاتها أنها أعمق من ذلك.‏

السؤال هو: ما هي التطمينات التي حملها كيري إلى السعودية بعد توتر واضح في ‏العلاقة بين واشنطن والرياض؟.‏

الإجابة من وجهة نظرنا في التصريح الذي ركزت عليه (الحرة) ووسائل أخرى ‏بقول كيري إن "الرئيس باراك أوباما أكد أنه سيستخدم كل القوة المطلوبة لتحقيق ‏مصلحة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وإنها ستواجه الاعتداء الخارجي على ‏شركائنا، وتضمن التدفق الحر للطاقة من المنطقة الى العالم".‏

المدقق في التطورات والسياسات على أرض الواقع يفهم أن مصلحة أمريكا -في ‏الشرق الأوسط، والمقصودة في حديث كيري هي في إيجاد «شرق أوسط جديد» مهما ‏كلفت التضحيات وليس هدفها الحفاظ على أي حليف أو تأمين المنطقة.. بل إن ‏المطلوب «شرق أوسط جديد» تتقاسمه أمريكا مع إسرائيل وإيران.‏

‏***‏

الشواهد والتطورات خلال العقد الماضي تشير إلى إن أمريكا تقوم بإعادة رسم ‏خارطة المنطقة وإغراقها بالفوضى وأنها لأجل تحقيق ذلك لا تستثني صديقاً أو حليفاً ‏غير إسرائيل وإيران اللتين يلحظ تقدمها وتوسعهما مقابل استهداف الدول العربية.. لقد ‏تم تدمير باكستان وتحويلها دولة فاشلة وجرى احتلال العراق وتسليمه لإيران وجرى ‏تقسيم السودان، ويجري الآن إسقاط اليمن وليبيا وكل الأحداث في الدول العربية خلال ‏عقد مضى، لا تجعل من المستبعد أن تلحق بها البقية كالسعودية ومصر، واللتين ‏ذكرنا في تناولة سابقة، أنهما آخر دولتين هامتين تمتلكان سيادة كاملة على أراضيهما.‏

أمريكا تريد «شرق أوسط جديد» لصالح إيران وإسرائيل.. وهي بذلك مصرة، ‏والتصريح الذي أطلقه كيري بأن أوباما مستعد لاستخدام كل القوة المطلوبة لتحقيق ‏مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، يمكن اعتباره تهديداً للسعودية وليس لإيران التي ‏بدأ تحالفها مع واشنطن بالانتقال إلى العلن. ولقد عرف العالم أن أمريكا سلمت العراق ‏لإيران وحالياً تصب تدخلاتها في اليمن في صالح الدور الإيراني، والسعودية تعلم ‏ذلك.‏

إزاء ذلك كله، فإن المطلوب من السعودية هو توسيع علاقاتها مع الدول والشعوب ‏العربية والإسلامية والتحرك لإنقاذ اليمن وغيرها من الدول، فلا تستطيع أية دولة ‏عربية منفردة مقاومة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تستخدم فيه واشنطن ومن ‏تحالف معها كافة الإمكانات الإعلامية والعسكرية والأمنية. ولا تستطيع السعودية ‏تجنب كوارث انزلاق اليمن إلى التقسيم والفوضى وهي تعلم أن ما يعتمل هناك هو ‏عجين الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف السعودية تالياً.‏

وإذا لم تكن السعودية على ثقة بالقيادة الانتقالية في اليمن فعليها أن لا تيأس وأن لا ‏تعاقب الشعب، ذلك أن الأمريكيين في اليمن والموالين لهم ممن يحكمون الآن آخر ما ‏يهمهم هو مصلحة المواطن.. بل إن ما يقومون به هو تدمير البلاد وإغراق الشعب ‏بالحروب والفوضى، ونحن نذكر هذا بالتزامن مع انتهاء فترة المهلة التي حددتها ‏السعودية للمقيمين المخالفين بتصحيح أوضاعهم، ومجيء أخبار أو شائعات مرعبة ‏عن اعتقالات واهانات لبعض المغتربين تخلف نظرة عدائية لدى المواطنين وتصب ‏هذه الأعمال أو الشائعات في مصلحة الطرف العابث في اليمن والذي يلقي باللوم على ‏السعودية. وهذه الفتنة بين الشعوب العربية هي ما يساعد على حرق كل بلد على حدة.‏

بل إن على السعودية أن تسعى لتحسين علاقاتها مع جميع الشعوب العربية وتبدأ بفتح ‏خطوط تواصل مع بعض تيارات الإخوان المتأثرة بما جرى في مصر. ذلك أن الضخ ‏الإعلامي الرهيب بمئات القنوات والوسائل والتي تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية بحوالى ‏‏80% مما يبث فيها.. بإمكانه أن يجعل الجماهير العربية على اختلافاتها فيما بينها، ممتلئة ‏بمشاعر العداء ضد السعودية أو أي بلد آخر. والمغتربون هم سفراء شعوبهم في المملكة، ‏وكلما كانت الأخبار القادمة منها مبشرة كانت مشاعرهم إيجابية. والسعودية مدعوة لأن تراجع ‏أية سياسات مثل هذه، لأنها قد تكون ناتجة عن اختراق يحاول تكثير أسباب العداء ضدها. ‏مثلما تتعرض الحكومة اليمنية لنصائح اقتصادية وسياسية تؤدي لنتائج لا تخدم الدولة بل تزيد ‏الاحتقان والعجز الاقتصادي والأمني.‏

‏***‏

بالإمكان أن يقاوم العرب بالتعاون غير المسبوق فيما بينهم ومراقبة الاختراقات أما من تفرج ‏على الآخر وانشغل بنفسه أو لم تكن تحركاته بالقدر الذي تتطلبه اللحظة، فاحتمالات أن يتمكن ‏من تفادي النتائج تبدو منعدمة.‏

وزير الدفاع اليمني زار السعودية امس حاملاً رسالة من الرئيس عبدربه منصور هادي ‏وقيل إنه طلب تدخلها لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، والمطلوب من المملكة العربية ‏السعودية أن تنصح هادي وجماعته أن يتوقفوا عن المهزلة الجارية بتقسيم البلاد وعن سماحهم ‏للحوثيين بالتوسع وتسليمهم القيادة لواشنطن وبما لذلك من خطر على أمنها القومي. ومؤتمر ‏الحوار ليس أكثر من فخ لليمن والسعودية ومصادرة للمبادرة الخليجية. ‏

يجري تمزيق اليمن من قبل المجاميع الأجنبية باسم الفدرالية وتحت شعارات براقة وغطاء ‏‏"المبادرة الخليجية" مع أن ما يدور لا علاقة له بالمبادرة الخليجية بل بالمحلق الغربي ‏التفصيلي بها والسعودية أول المستهدفين، وعليها ألا تنخدع بأية تطمينات أمريكية إيرانية. ‏وإذا كانت القيادة اليمنية الحالية غامضة في تصرفاتها فذلك ليس عذراً لتقف السعودية مكتوفة ‏الأيدي تجاه مشروع ترسيخ الفوضى وتمزيق البلاد.. فلا وجود لدولة فدرالية، والمرجح أن كل ‏ما يمكن أن ينتج عن هذا الطريق هو الانتقال من مرحلة الدولة الضعيفة إلى مرحلة اللادولة ‏واحتلال الأطراف المعادية للدول العربية أهم المواقع الاستراتيجية واستخدامها كمراكز ‏عملياتية ضد السعودية ودول المنطقة، بل وابتزاز جميع دول العالم التي تمر بضائعها عبر ‏باب المندب وغير ذلك من الأوراق.