مؤتمر الحوار يسير بشكل جيد، الجلسات اليومية تبحث كل شيء، وجماعة علي عبدالله صالح لا تتوقف عن محاولات الإعاقة، قضيتهم الرئيسية مسألة العزل السياسي، وقد نجحوا بها على ما يبدو، صيغة جديدة تعالج قضية العزل السياسي لرموز النظام السابق، ولكنها لا تتحدث عن النظام السابق وخلافه، فقط تضع بعض الشروط التي تستهدف شخصيات أساسية في النظام السابق، ولكنها تسمح لرموز أخرى مثل (أحمد علي صالح) بالترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة! ومع ذلك، فإن التقدم في مسارات كثيرة يراه المشاركون على درجة عالية من المعقولية، في ظل حجم الملفات المطروحة على طاولة المؤتمر، والعقبات التي تعيق إنجاز مهامه.
ما هي قضية اليمن اليوم؟ الخلافات الداخلية والتفصيلية كثيرة جدا، وبشكل لا يمكن إحصاؤه، خذ لديك المشكلة الجنوبية، الحراك الجنوبي وكافة التيارات السياسية التي يرفع بعضها شعار الانفصال، ويرفع البعض الآخر يافطات المطالب والحقوق ورفع المظالم، في الجنوب ألف قضية وقضية، وتحتاج وحدها عشرات المؤتمرات الحوارية، لإصلاح ما أفسده نظام صالح، وبعيدا عن القضية الجنوبية ترشح قضية الحوثيين وصعدة، وهنا يختلط الحقوقي بالمذهبي بالسياسي بالعسكري، والأهم بالتدخل الخارجي المرتبط بدعم إيران وتمويلها الكامل لحركة الحوثيين (أنصار الله)، وإيران بدأت تمد نفوذها للحراك الجنوبي وتياراته السياسية، وبدأت بالدعم والتدريب العسكري والإعلامي واستضافة النخب السياسية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما يجعل من المسألة الحوثية مسألة في غاية التعقيد، ولم يعد تجاوز القضية مرتبطا بالحوار الداخلي والنقاش داخل البيت اليمني.
هناك القاعدة، ونفوذها المتنامي في اليمن، والحرب الدائرة بينهم وبين الأميركيين على الأرض اليمنية، والقاعدة أيضا ليست مسألة يمنية تحل داخل البيت اليمني، هنا الولايات المتحدة والسعودية لاعبان رئيسيان، ولا يمكن الخروج عن مواقفهما في هذه المواجهة، والقاعدة نشأت لأسباب تتعلق بالدولة اليمنية المترهلة التي صنعها صالح، وبالتواطؤ معها لاستخدامها في أغراض الصراع الداخلي والخارجي قبل الثورة، وقضية القاعدة مسألة كفيلة لوحدها بعرقلة كل شيء، ولا يمكن التجاوز نحو اليمن الجديد دون حسم حقيقي وجدي وشامل لمسألة القاعدة.
هل انتهينا من مشاكل اليمن؟ ليس بعد يا رفاق، إن تركة نظام صالح لو وضعت على رأس كل جبل من جبال اليمن، لخرّ صريعا، الاقتصاد المتهالك، البطالة، التهديدات الأمنية، النفوذ الخارجي المتغلغل في كافة أنحاء البلاد، نموذج الدولة الفاشلة الذي كان الخطر الأبرز لدولة ما قبل الثورة، وجاءت ثورة اليمنيين الباسلة لتأجيل هذا السقوط التام، تأجيله فقط وليس منعه حتى الآن، وهذا ما يدفعنا للخوف على اليمن، في ظل الثقة التامة بأن كل اللاعبين المؤثرين في الساحة اليمنية، من داخله ومن خارجه، لا يريدون الخير إلا لمصالحهم ونفوذهم وأموالهم وأتباعهم، ولا يريدون يمنا ديمقراطيا قويا منيعا، وسيفعلون كل شيء لإيقاف وتعطيل هذا المشروع.
غاب الشباب عن المشهد، وضاعوا في دهاليز الحوارات والنقاشات وأقبية الأحزاب التقليدية، تراجع المشروع الأساسي، يمن حر ديمقراطي قوي منيع، منفتح على الآخرين متعاون معهم، لكن بالشروط التي تحفظ حقوق الجميع، وليس لطرف واحد فقط. إن الإمكانات المتاحة لهذه البلاد تجعلها في مصاف الدول الجيدة، انظروا لموقعه الحيوي، وما يحيط به من ممرات على أعلى قدر من الأهمية، انظروا للتقديرات المتعلقة بثرواته النفطية الاحتياطية، انظروا لقوة أبنائه ووعيهم، هل يستحق هؤلاء هذا الوضع البائس؟