مدينة تعز هي المدينة الأولى في العالم التي يقتلها العطش مرتين، مرة لأنه لا يتوفر في الطبيعة بالقدر الكافي ومرة لأن المخلوع صالح والحوثي في هذه الأثناء وبدافع الانتقام،، منعا عنها الماء الذي يأتي من أماكن بعيدة جداً عن المدينة.
الماء أساسُ الحياة ولذلك تصر هذه المليشيا العفنة المثقلة بأرزاء التاريخ وأحقاده على منع وصوله إلى سكان مدينة تعز المحاصرين منذ خمسة أشهر، وشددت أخيراً حصارها لتمنع كل ما يُقيم الحياة في المدينة من الدخول إليها..
ربما تكون تعز هي المدينة الوحيدة في العالم التي تعاني هذا القدر من الحصار الخانق. التكنولوجيا كسرت كل الحواجز التي تحول دون انتقال المعلومات عبر الحدود والدول والقارات، عدا المعلومات التي تتصل بالوضع المأساوي لمدينة تعز، يبدو أنها تجد صعوبة في الوصول إلى مسامع وأبصار العالم.
ثمة خلل أخلاقي في بنية التفكير وفي نظرة الغرب لما يجري في اليمن، ؛ عندما لا تثمل مأساة تعز بالنسبة لهم قضية، لتبقى قضيتهم كيف يضمنون دوراً للمليشيا في مستقبل اليمن، بعد أن أدت طقس الموت العنيف هذا وقوضت الدولة والحياة في بلد منهك وفقير مثل اليمن.
عندما لا يهتم العالم بتعز فهذه شهادة يمكن لأبناء تعز أن يعتزوا بها أيما اعتزاز، تماماً مثل أهل غزة، فهم يخوضون معركة وجود حقيقية ليس من أجل أن يبقوا هم عل قيد الحياة فقط، بل لتبقى الدولة واليمن، وليعيش الجميع بكرامة.
لدى أبناء تعز ما يكفي من الحرية والاعتزاز بالذات والإيمان بعدالة قضيتهم، لذلك سيواصلون القتال، وكل ما في الأمر أنهم سيدفعون ثمناً باهضاً لهذه الحرية، ولكن في النهاية سينتصرون.
كثيرون أولئك الذين أوقفتهم المليشيا عند مداخل تعز حيث لا تزال السيطرة على محيط المدينة مقتصرة على المليشيات، نتيجة سيطرة سابقة مارسها الجيش الموالي للمخلوع على المدينة عسكرياً وأمنياً منذ عقود.
عنصر مليشياوي أخذ من امرأة فقيرة كيساً به كمية قليلة من البطاطا وألقاها في الأرض وقال لها اذهبي إلى حمود المخلافي ليعوضك عن هذا البطاطا، والمخلافي هو قائد المقاومة في تعز، وكثيرون غير هذه المرأة الذين جُرِّدُوا مما بحوزتهم من غذاء ومشتقات نفطية كانوا يحاولون إدخالها إلى مدينة تعز لإنقاذ أهاليهم.
اليوم صرخات الأطفال والنساء عاليةٌ جداً في مدينة تعز وما من استجابة، قصف عشوائي بكل أنواع الأسلحة، يتوازى مع حصار خانق لا يمكن احتماله..
إنه درسٌ قاس من دروس التاريخ، مفاده لا يمكن لمحافظة تتمتع بهذا الثقل السكاني، وتمثل صمام أمان للوحدة الوطنية ورافعة تغيير كبيرة في البلاد أن تبقى مجردة من عوامل حفظ القوة الجبارة هذه، لذلك كان مشهد تخرج دفعة من الشباب والشابات في تعز ليضموا إلى نواة الجيش المكلف بحماية المحافظة وإلى الشرطة التي ستصون أمنها، كان لكل ذلك أثره العميق في النفس.
لن نحتاج في المستقبل إلى كل هذه الأشهر ليقتنع مغامرون ومأفونون بداء التعصب الجهوي والمذهبي بأنهم أخطأوا بمهاجمة تعز، تعز لا نريدها حالمة فقط، نريدها مستيقظة منذ الآن لأخطار عديدة تحيط بها وقناعات عفنة مناطقية تحيط بها من كل الجهات.