تجليات النفوذ الإيراني في اليمن

2014/10/03 الساعة 12:09 صباحاً

أكثر التوقعات تفاؤلاً تتحدث عن إمكانية التوصل إلى توافق بشأن اسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء اليمني الجديد، على أن تتشكل الحكومة خلال ثلاثة أيام، وهو تزمين يختلف عما نص عليه اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقعت عليه الرئاسة اليمنية والجماعة الحوثية المسلحة، وإلى جانبهما الأطراف السياسية في البلاد.

فالمواصفات المثالية، لأي رئيس وزراء يتسلم إدارة الدولة في هذا الظرف الصعب، أن يكون صاحب خبرة إدارية ومالية واقتصادية، كافية، ويتمتع بفهم عميق للبيئة السياسية، ويجيد فن التعامل مع الأطراف والشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي، دونما حاجة للتصادم معها.

وما سبق لا يكفي بل يتعين على رئيس الوزراء أن يكون مقبولاً من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي ومحل ثقته، وأن يصدر المرشح تطمينات كافية لإمكانية التناغم مع الرئيس، وأن يكون كذلك محل تقدير وثقة المانحين الذين سيوفرون الدعم المالي لتسيير شئون الدولة والذي لن توفره إيران بالتأكيد.

كان يُفترض أن يتم الإعلان عن اسم رئيس الوزراء في الـ24 من سبتمبر، ولكن ذلك لم يحدث، كما لم يُحدث أية ردة فعل ذات مغزى من الأطراف الداخلية والخارجية. وما يمكن فهمه أن التأخير الذي تجاوز المهلة المتفق عليها، هو ثمرة من ثمار الحضور الإيراني القوي في صنعاء، وهو الحضور الذي غالباً ما يكون على حساب الدولة وقرارها وسيادتها، شاهدنا ذلك في لبنان والعراق، ونشاهده في سورية.

ومن المتوقع أن نشهد الكثير منه في صنعاء التي انسحب منها الجيش والأمن، وحلت محلهما المليشيا الحوثية المسلحة، في عملية إرغام لأنف الدولة، متفق عليها، مع أنه لا يمكن لأي خبير استراتيجي أو سياسي أن يفهم مغزاها، ومغزى أن يُقْدِمَ رئيسُ دولةٍ خدمته الظروف؛ كما لم تخدم سياسياً في مثل ظروفه، وأنصفه التاريخ، على التنازل عن حقه السيادي المصون بقوة الدستور، لفائدة مليشيا طائفية منفلتة، لتمرغ سمعته وسمعة الدولة كما حدث ويحدث اليوم في صنعاء.

لقد فرض الحوثيون بسيطرتهم الأمنية الفجة على صنعاء، واقعاً جديداً ولكن شديد المرارة، خصوصاً وأنهم ما يزالون يواصلون مهمة الاستئصال الطائفي لخصومهم، وهو استئصال يستهدف كل شيء: المساجد، ومدارس تحفيظ القرآن، والجمعيات الخيرية، والمنازل، والمقار الحزبية.

المليشيا الحوثية المسلحة، على وشك الدخول في مواجهة مسلحة، مع اللواء 312 مدرع، الذي يتمركز في محافظة مأرب إلى الشرق من العاصمة صنعاء، في مهمة يبدو أن تستهدف معسكرات الجيش اليمني، التي لم تكن تخضع لقيادات عسكرية موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وعرف عنها مساندتها المشرفة لثورة الـ11 من فبراير 2011.

ومجمل هذه التحركات والممارسات التي تقدم عليها المليشيا الحوثية المسلحة، ليست إلا جزء من الاستحقاقات الأساسية للانقلاب الطائفي الطابع الذي نفذه الحوثيون، وبمساندة قوية من الوحدات العسكرية التي تدين بالولاء لـ:صالح، والتي سهلت مهمة إسقاط صنعاء،  على ذلك النحو من الاستعراض المسرحي، ولكن بإخراج سيئ للغاية، ويفتقد للإقناع.

من الواضح أن الحوثيين يطبقون استراتيجية طهران في سورية، فالأولوية لديهم ولدى حلفائهم من أنصار الرئيس المخلوع، في هذه المرحلة، هي ميدانية، وليست سياسية، فهؤلاء ليسوا على عجلة من امرهم فيما يخص تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، التي قد تحرجهم كثيراً فيما لو قرروا البقا على هذا النحو السافر في صنعاء.

 ولذلك فإن معظم اهتمامهم، في اعتقادي، ينصب على التوسع الميداني وإحكام السيطرة على صنعاء وربما بعض المحافظات، واستكمال تصفية الحسابات الطائفية مع الخصوم السياسيين وهدم بنيتهم التحتية وخصوصاً في العاصمة صنعاء، التي يبدو أن نية الحوثيين وبإيعاز من إيران تتجه نحو إضفاء الطابع المذهبي الأحادي عليها، وهو أمر من شأنه أن يعقِّدَ على اليمنيين العيش المشترك في عاصمتهم، وهي تتحول إلى بيئة محفوفة بهذا القدر من الشحن الطائفي.

ما يحدث في اليمن، كان متفقاً عليه إقليمياً ودولياً، وفق أرجح التحليلات، والتي تذهب إلى أن الهدف الأول هو تقليم أظافر الإسلام السياسي في اليمن، وتحجيم دوره الحاسم في ثورات الربيع العربي إلى أدنى مستوىً.

لكن التوافق على تصفية تركة الإسلاميين، في اليمن، تبين أن له مخاطر كبيرة في ظل تنازع المشاريع الإقليمية وبالأخص المشروع الإيراني، الذي يبدو أنه يفقد مواقع أساسية في المنطقة، وتحاول طهران من خلال دعم الحوثيين في اليمن إلى تعويض خسارتها، وهي تدرك جيداً أن بوسعها ممارسة تأثير قوي من خلال اليمن، في الخارطة السياسية للإقليم، وفي المساومة على مصالحها، بشكل جيد.

هذا الأمر يبدو أنه بات مفهوماً لدى الدول الخليجية؛ على وجه التحديد، التي أطلقت حملة إعلامية موجهة ضد الحوثيين، وممارساتهم الخطيرة في صنعاء، والتي تتسق مع تصريحات قوية من جانب مسئولي معظم الدول الخليجية، ضد الحوثيين، وتتضمن في الوقت نفسه، تأكيدات قاطعة على دعم الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، ولاتفاق السلم والشراكة السياسية.

وفي المقابل تتصاعد حدة التصريحات الصادرة عن شخصيات سياسية إيرانية وأخرى محسوبة على إيران، والتي ذهبت إلى حد إعلان صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي تقع في دائرة النفوذ الإيراني المطلق، وهي نزعة استعلائية يبدو أنها أثارت قدراً من الامتعاض لدى مسئولي الدول الخليجية، بما يكفي للاعتراف بأن تصفية تركة الإسلاميين كان خطأ استراتيجياً كارثياً، لا يمكن تصحيحه إلا بإعادة فتح الحوار مع كل القوى السياسية اليمنية، التي تنحاز لخيار الدولة وفق التصور الذي اتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني.

 

المصدر : خاص - شؤون خليجية