قبل الحديث عن وثيقة بن عمر، المقترحات حول الدولة الاتحادية ذات الإقليمين أو الأقاليم الستة، سيكون من الجيّد رسم لوحة مكثفة لليمن في هذه الساعات. عندما يطلب المثقف اليمني، أو السياسي، الإذن لتقديم مداخلته حول الدولة الاتحادية سيكون من الجيد أن توضع هذه اللوحة إلى الخلف منه.
بمقدور أي شخص رسم هذه اللوحة، لكني لأسباب عديدة سأجلب هنا اللوحة التي رسمها البروفيسور برنارد هيكل، أستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة برينستون (أميركا)، قبل ثلاثة أيام في صحيفة الشرق الأوسط: اليمن أفقر بلد في الدول العربية، ويُقارن البلد ببعض أقل الدول الأفريقية جنوب الصحراء تقدما. ومن مشكلات اليمن التي تبدو متوطنة سوء التغذية الشديد والنمو السكاني الانفجاري والبطالة الطبقية ومعدلات الفقر والفساد السائد وسوء الحكم، وكلها آفات تستنفد الموارد الطبيعية بسرعة؛ النفط والغاز والمياه، إضافة إلى المجتمع السكاني المعسكر والمسلح بدرجة كبيرة، والانقسامات السياسية العميقة القائمة على الهوية الإقليمية والدينية، ناهيك من الوجود الكبير والمنظم لمقاتلي تنظيم القاعدة، الذين ينفذون هجمات إرهابية بصورة مستمرة. وفي حين ترغب قيادات نافذة في جنوب اليمن بالانفصال، وتكوين دولة مستقلة، تحكم محافظات أقصى الشمال الحركة الشيعية التي يطلق عليها عادة اسم جماعة الحوثيين، وهؤلاء متشككون بشكل عميق بشأن الحكومة المركزية، ويقعون تحت تأثير إيران بصورة متزايدة.
اليمن باختصار «دولة فاشلة»، وإذا انهار وانزلق إلى حرب أهلية، فإن تداعيات ذلك من حيث اللاجئون والاضطراب السياسي ستتردد صداها عبر جميع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي لها حدود مشتركة مع جارها الجنوبي اليمن يبلغ طولها 1800 كلم
...
تعالوا نتذكر السيرك من أول لقطة فيه، إلى الخلف منا اللوحة التي رسمها البروفيسور هيكل.
قبل حرب 94م بأيام قلائل كان اليمنيون قد اتفقوا على صيغة جديدة للحكم والإدارة والسياسة تقترب في تفصيلاتها النظرية من النظام الفيدرالي. كانت تلك الوثيقة التي وقع عليها نظام صالح، ثم عاد فوصفها بالوثيقة الخائنة، هي الورقة الوحيدة غالية الثمن التي كان بمقدورها منع نشوب الحرب. لكن الحرب حدثت بالفعل، وكانت الحرب هي"العملية الخائنة" التي اندفع إليها كل من صالح والبيض.
تذكروا:
قبل الحرب الأهلية كان الأفندية في صنعاء يتحدثون عن الوثيقة التي ستقسّم اليمن مرة أخرى، الوثيقة الخائنة. بعد الحرب نظر الأفندية إلى موجات الدمار، إلى الأرض اليباب، إلى آلاف القتلى، وإلى جرح وطني عميق ليس له قرار. في تلك الساعات، وهم يعبّرون على الجثث والعلم الوطني المحترق، شعروا بالخجل، وأدركوا كم كانوا سطحيين وتافهين وهم يغرقون في النقد النظري لوثيقة سياسية كان البديل الوحيد لها هو الحرب الأهلية. ولم يكن ذلك فرضاً نظرياً، فقد وقعت تلك الحرب بالفعل. أليس كذلك؟
مرة أخرى، دعونا نثبت الصورة التي رسمها البروفيسور هيكل إلى الخلف منّا مباشرة..
في العام 2006 كتب أحمد عبيد بن دغر مقالة خطيرة في صحيفة الثوري. كان لا يزال شخصية قيادية مرموقة في الحزب الاشتراكي. المقالة، في تفاصيلها، تتحدث عن خيارات جنوبية جديدة خارج فكرة الجمهورية اليمنية، أو في شكل جديد للجمهورية. وصل بمقالته إلى ما هو أبعد من الدولة الاتحادية، وكان ذلك الخطاب مبكّراً جداً، ومحرجاً. حتى إن الحزب الاشتراكي كتب تنويهاً أعلى المقالة: هذه المقالة لا تمثل رؤية الحزب، بل تعكس وجهة نظر كاتبها.
بعد سبعة أعوام من تلك المقالة ينسحب أحمد عبيد بن دغر من عملية التوقيع على وثيقة مقترحات حول الدولة الاتحادية.
بعد عام واحد غادر بن دغر الحزب الاشتراكي إلى المؤتمر الشعبي العام. كان تعليق ياسين سعيد نعمان: الحزب الاشتراكي لا يكترث للجرذان التي تسقط في الطريق. لكن نعمان طوّر رؤية بن دغر لاحقاً وأصبح ينادي بحل جديد للقضية الجنوبية: الدولة الاتحادية.
كان ياسين سعيد نعمان هو مخترع هذا المشروع، مسكوناً ربما بتجربة الدولة الاتحادية في الإمارات حيث عاش سنين طويلة منذ الحرب الأهلية 94م. لكن نعمان ذهب بعيداً. ففي لقاء صحفي قبل أربعة أعوام قال: تقع على عاتق الحزب الاشتراكي اليمني مسؤولية تاريخية وأخلاقية خاصة تجاه القضية الجنوبية فهو الحزب الذي جاء بالجنوب إلى الوحدة. لذلك كانت تقديرات نعمان، التي ستصبح فيما بعد هي تقديرات الحزب الاشتراكي اليمني، واقعية للغاية: لقد تغير المزاج في الجنوب إلى حد كبير. سيردد نعمان فكرة توضيحية: دولة اتحادية داخل الهوية اليمنية. سيواصل نعمان العزف على الفكرة الاتحادية لتصبح مع نهاية 2009 هي رؤية اللقاء المشترك وشركائه، بالرغم من أن النص الأخير للوثيقة لم يورد مصطلح "الدولة الاتحادية". مع نهاية العام 2013 ستصبح فكرة الدولة الاتحادية هي العبارة التي سيختم بها مؤتمر الحوار الوطني، تحت الرعاية الأممية. لم يحدث، في التاريخ العربي الحديث، أن نجحت فكرة سياسية لمثقف سياسي كما حدث مع ياسين سعيد نعمان.
المحاججات التي تناهض فكرة الدولة الاتحادية، الفكرة الفيدرالية الحديثة، لا تكترث للوقائع على الأرض. تماماً كما فعلت المحاججات حول وثيقة العهد والاتفاق، تلك التي لم توقفها سوى الحرب الأهلية 94. منذ الحرب الأهلية، 94، حتى سبتمبر 2009 تشكلت حقائق جديدة على الأرض الجنوبية. تدحرجت كرة الثلج وسقطت في اتجاه الوادي. في العام 2008 وصف فيصل بن شملان الخطاب الجنوبي المتصاعد حول الاستقلال واستعادة الدولة بأنه خطاب "يطلب الباطل ليلقى الحق". بعد عام واحد، في سبتمبر 2009، حضر فيصل بن شملان احتفالية إعلان "وثيقة الإنقاذ الوطني" التي أعلنها المشترك وشركاؤه "اللجنة التحضيرية للحوار الوطني". قال بن شملان في كلمته للحاضرين إنه جاء من عدن، وإنه يخشى أنه ترك هنالك أناساً لم يعد هواهم مع الوحدة. كان بن شملان واضحاً وهو ينقل الوقائع على الأرض في الجنوب. ففي خلال عام واحد تطور المشهد من "اطلب الباطل" إلى "اطلب الحق". وفيما يخص وثيقة الإنقاذ الوطنية فقد عكست رؤية الحزب الاشتراكي للقضية الجنوبية إلى حد بعيد. فقد اقترحت الوثيقة، كنظام للحكم، العودة إلى وثيقة العهد والاتفاق، أو النظام الفيدرالي. اختارت صحيفة المصدر، تعليقاً على الوثيقة، مانشيت عملاقاً على صدر صفحتها الأولى: وثيقة الإنقاذ، بقعة ضوء في نفق مظلم.
الفكرة التي وصفتها صحيفة "المصدر" قبل أربعة أعوام بأنها "بقعة ضوء في نفق مظلم" يجري الجدل حولها الآن من جديد كما لو كانت نفقاً مظلماً في بقعة ضوء! على هذا النحو السوريالي الغامض يجري الجدل السياسي الآن..
دعونا نتذكر:
استخدم نظام أسرة صالح، سيطلق عليه أحياناً اسم المؤتمر الشعبي العام، تعبيراً صلباً لا يتزحزح:
ـ وثيقة العهد والاتفاق وثيقة خيانة وطنية.
بعد 15 عاماً، في العام 2009، قال نظام صالح:
ـ وثيقة الإنقاذ الوطني وثيقة خيانة وطنية.
مع نهاية العام 2013 قال المؤتمر الشعبي العام:
ـ وثيقة بن عمر حول نظام الحكم في اليمن هي وثيقة خيانة وطنية.
دعونا إذن لا نكترث كثيراً لما سيقوله المؤتمر الشعبي العام. بالعودة إلى البروفيسور برنارد هيكل سنجده يقدم مقترحاً لدول الخليج حول الموقف من الحوار الوطني في اليمن: "وفقاً لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن جمال بن عمر فإن عائلة صالح تقوض عملية الحوار الوطني للمصالحة، وليست عائلة الأحمر بأحسن حالاً".
مرة أخرى، لنثبت الصورة التاريخية لليمن الراهن إلى الخلف منا. لئلا نصحو غداً على حروب أهلية بامتداد نصف مليون كيلو متر مربّع. عند ذلك فقط سنكتشف حقيقة إن الحرب الأهلية كانت قريبة منا على نحو لا يصدق، وأننا انشغلنا عنها بنقاشات نظرية تتجاهل كل الوقائع الحادة، والمزمنة، والتاريخية.
في العام 2009 تحدث عبد الكريم الإرياني، الرجل الذي ظهرت ملامحه أخيراً، عن الفكرة الفيدرالية. قال إنه مستعد لتقديم عنقه لكنه غير مستعد للتوقيع على مشروع لنظام حكم فيدرالي يقسم الجيش اليمني إلى قسمين، والدستور إلى دستورين. كان واضحاً أن الدكتور الإرياني، عندما كان يتحدث إلى صحيفة الخليج ، لم يكن يجهل شيئاً أكثر من جهله للفكرة الفيدرالية. إذ لا توجد دولة في العالم ذات نظام فيدرالي تمتلك جيشاً منقسماً ودستورين. لكن الإرياني تفوق على جهله التاريخي أخيراً ووقع على وثيقة بن عمر. فهم الإرياني الفكرة، ووفر عملية الرهان بعنقه لجملة جديدة من المسائل التي لا يزال يجهلها.
في مؤتمر الحوار الوطني كان منصور الزنداني، أحد ممثلي الإصلاح، يمثل حائط صد بشري قاتم ضد أي فكرة بإمكانها أن تشير، ولو من بعيد، إلى نظام حكم "غير" مركزي. استطاع أن يخلق حالة من "الدوشة" تحولت إلى إرهاب فكري مؤقت ضد الفدرلة. أبعد من ذلك، لقد اشتبك مع الخبراء الأجانب أيضاً. لكن الإصلاح قفز إلى الأمام بسرعة، فهو الحزب الذي يمتلك أكبر قاعدة بيانات وخزان معلومات ميدانية شاملة، ووقع على الوثيقة. كان الإصلاح، وهو يوقع على وثيقة مفتوحة، قد وضع إلى الخلف منه الصورة المذهلة لليمن الراهن، وللجنوب الآن، التي تصله من خلال فرق عمله المنتشرة على عموم التراب الجنوبي.
الخارطة اليمنية المعاصرة غير متجانسة على أكثر من مستوى. فضلاً عن التراكم السالب للتاريخ. فقد تركت كل خمسة أعوام من العوادم القاتلة، اجتماعياً وسياسياً، ما سيؤدي مع الزمن إلى مقتل البلدة كلها. لقد أصبح البلد، بمعنى عام، موبوءاً بسموم ضارة تتوالد بفعل الغياب الكبير للدولة الحديثة القادرة على تصريف السموم، وإعادة بناء شبكة حياة قابلة للاستمرار، ومقاومة للتصدع. ها نحن قادرون على تذكر المنهزمين والمنتصرين في حروبنا الحديثة أكثر من قدرتنا على تذكر أبطال دوري كرة القدم. إذا وضعنا هذه الهالة كإطار للوحة التي رسمها البروفيسور برنارد هيكل فسوف يتغير، إلى حد بعيد، موقفنا من فكرة الفيدرالية..
يتعلم الدارسون لكتاب رأس المال، لماركس، جملة أثيرة: الوقائع تصنع الفكر، لا العكس. تقودنا هذه القاعدة الميكانيكية إلى الذهول أمام تلك الأفكار المطولة التي تقاتل الفيدرالية وتتجاهل الوقائع على الأرض. الطروحات التي تجعل الفكرة واقعاً والوقائع أفكاراً!
فقد استطاع بسمارك، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أن ينقل ثلاثين دولة إلى دولة واحدة هي الرايخ الثاني، ألمانيا. بقيت الدولة، ذات النظام الفيدرالي العبقري، قابلة للحياة بفعل الاعتمادية المتصاعدة، والمتبادلة، للولايات. بعد مرور قرن ونصف من دولة بسمارك ها هي الجمهورية مستقرة، ومتفوقة.
كانت الظروف العسكرية، والتاريخية، للدول الألمانية العديدة أكثر تعقيداً من الظروف الراهنة في اليمن. فالفدرلة لا تقابل التقسيم، ولا تقود إليه، ولا علاقة لها به. في العصر العباسي، والأموي، كان يمكن الحديث عن الفيدرالية بوصفها مقدمة للانفلات عن نظام الحكم في دمشق أو بغداد. لكن في عصر التقانة الفائقة، الاعتمادية المتبادلة، التكتلات الإقليمية، التجارة المفتوحة، الجيوش الضاربة، عصر المواطن العالمي الذي بلا حدود، عصر "إم" ماكدونالدس يصبح استدعاء ميكانيزم تفكير العباسيين والأمويين ضرباً من الجنون المسلي، والمخيف في آن واحد.
أين تقع خطيئة الدولة الاتحادية الفيدرالية؟
حتى الآن قرأنا إنشاءً فضفاضاً في موضوع ليس للإنشاء. يعتقد الناصري إن المناصفة، في الفترة الانتقالية، بين الشمال والجنوب هي إعطاء الأقلية امتيازاً على الأكثرية. يبدو هذا الطرح طفولياً بائساً، وانتحارياً. هذا الامتياز المؤقت هو أقل من التعويض التاريخي الواجب لمنطقة وطنية هي تقريباً ضعف مساحة الشمال! تماماً كما هي فكرة الغرفتين التشريعيتين: غرفة تعتمد على التمثيل وفقاً لعدد السكان، وغرفة تعتمد على التمثيل وفقاً للمساحة الجغرافية! لكن الناصري يواصل الطرح المجنون فيتحدث عن تقسيم الهوية! الجنوب، كإقليم، والشمال، كإقليم، سيكونان تحت هوية سياسية واحدة: اليمن ،يحدها جيش مركزي، قيادته المركزية في العاصمة، لا علاقة له بالأقاليم. كما يتحرك الإقليمان ضمن حدود واضحة للدستور الاتحادي مع استثناءات يسمح بها التاريخ، والديموقراطية. لدينا حالة شبيهة في جنوب المانيا، شبيهة بالاستثناء السياسي والتشريعي. أما النظام السياسي فهو ديموقراطي، يقوم على أساس التعددية السياسية، ومبادئ الحق والقانون. أي أن الناصري، فيما بعد، قد يتمكن من الفوز في برلماني الإقليم الجنوبي والشمالي، وسيصبح حاكماً في الإقليمين، ضمن دولة واحدة اسمها اليمن. لا يوجد أي معنى ذو قيمة لفكرة الهوية التي يدافع عنها الناصري في هذه الحالة سوى أنه قد نسي تماماً كل تلك التعريفات النظرية، والعملية، ذات الصلة بالهوية، وتلك المتعلقة بالديموقراطية.
هناك من يعتقد أنه ليس ثمة، من الأساس، حاجة لطرح فكرة الدولة الاتحادية. في الواقع من الصعب دحض هذه الفكرة التي كلها هراء.
بالنسبة للإصلاح، الحزب، فقد اتجه إلى التوقيع. هذا الموقف متقدّم إلى حد كبير، لكنه سيفخخ العملية السياسية برمّتها، واللقاء المشترك من الداخل. لدى الإصلاح هواجس تتعلق بفكرة الانفصال الذي سيتأسس على فكرة الدولة الاتحادية. لكنهم لا يستطيعون أن يشرحوا، نظرياً على الأقل، كيف يمكن أن تؤدي تجربة الدولة الاتحادية الديموقراطية إلى الانفصال. فمثلاً، لأن اللقاء المشترك يتمتع بحضور كثيف في الجنوب، بصرف النظر عن الأصوات العالية الآن، فإن العملية السياسية التي ستدشن عقب استقرار الأوضاع واستكمال عملية الانتقال السياسي/ الإداري الكلي إلى النظام الفيدرالي فإن البرلمان الجنوبي ستهيمن عليه الإحزاب ذات الخبرة التاريخية الكبيرة، والحضور الاجتماعي المهيمن. أي أن المشهد السياسي في الجنوب سيحتكره الإصلاح والسلفيون والاشتراكيون وإلى حد ما التنظيم الناصري. لن يكون المشهد منفصلاً كثيراً عن الإقليم الشمالي.
ستشكل هذه الأحزاب حكومة الإقليم الجنوبي عبر ائتلافات معقدة، ففيما يبدو وحتى زمن طويل لن ينجح حزب بعينه في حصد الأغلبية المطلقة. تماماً كما ستكون الصورة في الشمال. بالطبع ما لم يتمكن السلفيون في الجنوب من الاستحواذ على الناخبين، وهذا أمر ليس مستبعداً.
عندما تكون هذه الصورة واضحة بهذا الشكل الفيزيائي، انطلاقاً من مبدأ دستوري متفوق ينص على أن "التعددية السياسية هي أصل النظام الجمهوري" وأن "الدولة الاتحادية هي جمهورية" فأنا، على المستوى الشخصي، لا أجد أي معنى لفكرة الخوف من الانفصال!
هذه الفكرة المبنية على هذا النحو تدفعني، شخصياً، إلى الوقوف إلى جوار الحزب الاشتراكي اليمني مؤيداً لمشروع الدولة الاتحادية ذات الإقليمين، مع إمكانية إعطاء الحوثية امتيازاً خاصاً، أو استثناء ثقافياً، داخل الحدود التي تسمح بها فكرة الجمهورية، نفسها..
الحفاظ على الجمهورية عملية شاقة إلى أبعد الحدود. الذين يتحدثون عن وثيقة بن عمر، وهي ليست سوى تلخيص لنقاش الحركة الوطنية اليمنية، بوصفها وثيقة تقسيم لليمن الموحد هم أيضاً يعجزون، كل العجز، عن اقتراح مشاريع ذكية قابلة للحياة من شأنها أن تخمد النيران المشتعلة في كل أركان الجمهورية. أصبح واضحاً، بصورة شديدة الجلو، أن شكلاً سياسياً استثنائياً وغير تقليدي لا بد من اقتراحه وتفعيله للحفاظ على الجمهورية التي لم يعد ممكناً الإبقاء عليها عبر أحلام، وخيالات، المثقفين والساسة العباسيين والأمويين!
الفكرة النظرية التي تقول إن الفيدرالية هي تفكيك للدولة تبدو ساذجة للغاية أمام حقيقة واقعية عملاقة تقول: إن سقوط الفيدرالية سيعني انهيار لمشروع الوحدة الوطنية.فثمة عشرات آلاف الشواهد العملية على الأرض، التي هي أكثر خطورة من إنشاءات الساسة والمثقفين!